واحد  ساعت پاسخگویی  تلفن تماس
دفتر مدیریت شنبه تا چهارشنبه از ساعت 8 الی 13 ۰۲۵-۳۸۸۲۵۲۵۵  داخلی ۱۰۳ 
 انتشارات شنبه تا چهارشنبه از ساعت 8 الی 14  ۰۹۱۲۰۱۴۴۳۳۱-۰۲۵-۳۸۸۳۳۶۷۷ داخلی ۱۰۲ 
 روابط عمومی شنبه تا چهارشنبه از ساعت 10 الی 12  ۰۹۱۹۴۵۱۹۵۰۵ 
 پشتیبانی فنی سایت شنبه تا چهارشنبه از ساعت 8 الی 13   ۰۹۱۹۳۳۳۶۰۲۰ 
 پست الکترونیک عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. 
 نشانی پستی    ایران . قم - خیابان توحید-کوچه 5- پلاک 31  کد پستی : ۳۷۱۸۵۵۱۴

الزهراء البتول عليها السلام

اسمها ونسبها عليها السلام:

هي فاطمة بنت رسول اللّه‏ أبي القاسم محمّد بن عبداللّه‏ بن عبدالمطّلب. وكناها: أُمّ الحسن، أُمّ الحسين، أُمّ الأئمة، أُمّ الحسنين، أُمّ أبيها.

ألقابها: سيّدة نساء العالمين، الطاهرة، الزهرة، الزهراء، المحدَّثة، الحوراء الإنسيّة، البتول، التقيّة، النقيّة،...

أُمها: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قُصيّ القرشيّة الأسديّة.

ولادتـها عليها السلام:

كانت ولادتها عليها السلام سنة خمس من المبعث بمكّة في العشرين من جمادى الآخرة[1].

زواجهــا عليها السلام:

قال الإمام الصادق عليه‏ السلام: لولا أنّ أميرالمؤمنين عليه‏ السلام تزوّجها لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة آدم فمن دونه[2].

عن جابر بن عبداللّه‏ قال: دخلت اُمّ أيمن[3] على النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله وهي تبكي،
فقال لها النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: ما يُبكيكِ لا أبكى اللّه‏ عينيكِ.

قالت: بكيت يا رسول اللّه‏ لأنّي دخلت منزل رجلٍ من الأنصار وقد زوّج ابنته رجلاً من الأنصار، فنثر على رؤسهم لوزاً وسكّراً؛ فذكرت تزويجك فاطمة من عليّ، ولم تنثر عليهما شيئاً.

فقال النبىّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: لاتبكي يا اُمّ أيمن، فوالذي بعثني بالكرامة واستخصّني بالرسالة ما أنا زوّجته ولكنّ اللّه‏ تبارك وتعالى زوّجه من فوق عرشه، وما رضيتُ حتّى رضي عليّ، وما رضي عليّ حتّى رضيتُ، وما رضيتُ حتّى رضيتْ فاطمة، وما رضيتْ فاطمة حتّى رضي اللّه‏ ربّ العالمين.

يا اُمّ أيمن، لمّا زوّج اللّه‏ تبارك وتعالى فاطمة من علي أمر الملائكة المُقرّبين أن يُحدقوا بالعرش - وفيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل - فأحدقوا بالعرش؛ وأمر الحور العين أن يتزيّنّ، وأمر الجنان أن يُزخْرَف، فكان الخاطب اللّه‏ تبارك وتعالى، والشهود الملائكة.

ثمّ أمر اللّه‏ شجرة طُوبى أن تنتثر عليهم، فنثرت اللؤؤالرطب مع الدُرّ الأخضر مع الياقوت الأحمر مع الدُرّ الأبيض، فتبادرت الحور العين يلتقطن من الحُليّ والحُلل ويَقُلنَ: هذا من نثار فاطمة بنت محمّد عليهماالسلام[4].

و كان البناء بها أوّل ذي الحجّة لسنتين من الهجرة، وكان بين التزويج في السماء والتزويج في الأرض أربعون يوماً[5].

 

وروي عن الباقر عليه‏ السلام: أنه لمّا أراد رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله أن يزفّ فاطمة لعليّ عليه‏ السلام وضع قطيفة على بغلته الشهباء وأركب فاطمة عليها، وأمر سلمان أن يقودها والنبيّ يسوقها... ثمّ رفع يديه وقال: يا ربّ إنك لم تبعث نبيّا إلاّ وقد جعلت له عترة، اللّهمّ فاجعل عترتي الهادية من عليّ وفاطمة[6].

وروي أنه صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله قال: اللّهمّ إنهما أحبّ خلقك إليَّ فأحبّهما وبارك في ذرّيّتهما، و اجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي اُعيذهما بك وذرّيتهما من الشيطان الرجيم. وروي أنّه دعا لها فقال: أذهب اللّه‏ عنكِ الرجس وطهّركِ تطهيراً[7].

عصمتها عليها السلام:

لقد تطابقت كلمات المفسّرين وروايات المحدِّثين وأرباب السِير والمعاجم على أنّ المراد بأهل البيت في قوله تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[8] هم الخمسة أصحاب الكساء: النبيّ الأعظم، ووصيّه المُقدَّم أميرالمؤنين، وابنته الصدّيقة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، و سبطاه سيّدا شباب أهل الجنّة الحسن
والحسين صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين.

فالآية المباركة دالّة على مشاركة الصدّيقة الطاهرة عليها السلام في العصمة الثابتة للنبيّ والأوصياء عليهم‏السلام، لأنّها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية الكريمة الذين قال فيهم النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: اللّهمّ إنّ هؤاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً[9].

ولم يخفَ المراد من الرجس المنفي في الآية بعد أن كانت واردة في مقام الامتنان واللطف بمن اختصّت بهم، فإنّ الغرض بمقتضى أداة الحصر قصر إرادة المولى سبحانه على تطهير مَن ضمّهم الكساء عن كلّ ما  تتقذّره الطباع ويأمر به الشيطان.

وممّا يُؤّد العصمة في الزهراء عليها السلام الحديث المتواتر من قول الرسول صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: فاطمة بضعة منّي، يريبني ما رابها، وإنّ اللّه‏ يغضب لغضبها ويرضى لرضاها[10].

وقوله صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله وهو آخذ بيدها: مَنْ عرف هذه فقد عرفها، ومَن لم يعرفها فهي بَضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبَيَّ، فمن آذاها فقد آذاني[11].

ولم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثة عن جهة نفسانية، لأنّ مرضاة الربّ جلّ شأنه وغضبه منوط برضاها وغضبها، وهذا معنى
العصمة الثابتة لها عليها السلام.

تسبيح الزهراء:

جاءت فاطمة عليها السلام تسأل أباها صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله عن خادمٍ يكفيها مشقّة القيام بشؤن البيت فقال رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: أفلا أدُلّك يا فاطمة على ما هو خيرٌ لكِ من الخادم؟ قالت: بلى يا رسول اللّه‏. فعلّمها التسبيح المعروف عند النوم[12].

وعن الباقر عليه‏ السلام قال: ما عُبداللّه‏ بشيءٍ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام، ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله فاطمة عليها السلام[13].

وعن الصادق عليه‏ السلام قال: من سبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام في دبر الفريضة قبل أن يثنّي رجليه غفر اللّه‏ له[14].

سيادتها عليها السلام:

عن عائشة أنّ النبيّ صلي الله عليه و سلم قال وهو في مرضه الذي توفّي فيه: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، وسيّدة نساء هذه الاُمّة، وسيّدة نساء المؤمنين[15].

وعن حذيفة قال: قال رسول اللّه‏ صلي الله عليه و سلم : نزل ملك من السماء فاستأذن اللّه‏ أن يسلّم عليّ لم ينزل قبلها، فبشّرني أنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة[16].

 

وعن الحسن بن زياد قال: قلت لأبي عبداللّه‏ عليه‏ السلام: قول رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله: «فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة» سيّد نساء عالمها؟ قال: ذاك مريم، وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين[17]...

وعن الصادق عليه‏ السلام ـ في وصية النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله عند قرب وفاته بعد أن بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته ثم أكبّ عليه عليّ والحسنان عليهم‏السلام ـ قال: فرفع رأسه صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله إليهم ويدها في يده فوضعها في يد عليّ وقال له: يا أباالحسن هذه وديعة اللّه‏ ووديعة رسوله محمّد عندك، فاحفظ اللّه‏ واحفظني فيها، وإنّك لفاعله، هذه واللّه‏ سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه واللّه‏ مريم الكبرى[18]...

من بلاغتها وفصاحتها:

عن زيد بن عليّ عن آبائه عليهم‏السلام قالوا: ... دخلت عليها السلام على أبي بكر... افتتحت الكلام فقالت: أبتدئ بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطَّول، الحمد للّه‏ على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء على ما قدَّم، من عمومِ نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاءٍ أسداها، وإحسان مننٍ والاها، جمّ عن الإحصاء عددُها، ونأى عن المجارات أمدُها، وتفاوت عن الإدراك أبدُها، استدعى الشكور بإفضالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وأمر بالندب إلى أمثالها.

 

وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏ كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأبان في الفكر معقولها، المُمتنع من الأبصار رؤته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام الإحاطة به.

ابتدع الأشياء لامن شيءٍ كان قبله، وأنشأها بلااحتذاء مثله، وضعها لغير فائدة زادته، إظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريّته، وإعزازاً لأهل دعوته[19]...

وعلّق على هذه الخطبة الشيخ الإربلي فقال: إنّها من محاسن الخُطب وبدائعها، عليها مسحة من نُور النبوّة، وفيها عبقة من أرج الرسالة، وقد أوردها المُؤلف والمُخالف[20].

عبـادتها:

عن الإمام الحسن عليه‏ السلام: رأيت اُمّي عليها السلام فاطمة قائمة في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى انفلق عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤنين والمؤنات وتُسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولاتدعو لنفسها بشيءٍ.

فقلت: يا اُمّاه، لم تدعي لنفسك كما تدعين لغيركِ!

قالت: يا بُنيّ، الجار ثمّ الدار[21].

وقال الديلمي: كانت سيّدتنا فاطمة عليها السلام تنهج في صلاتها من خشية  اللّه‏[22].

 

بعض الآيات النازلة فيها:

عن الصادق عليه‏ السلام في قوله تعالى «قُل لاَّ أَسْـٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى»[23] قال: إنّما نزلت فينا أهل البيت في الحسن والحسين وعليّ وفاطمة أصحاب الكساء[24].

وعنه عليه‏ السلام في قوله عزّوجلّ «اللَّهُ نُورُ السَّمَـوَ تِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِى كَمِشْكَوةٍ» المشكاة: فاطمة عليها السلام «فِيهَا مِصْبَاحٌ» المصباح: الحسن والحسين «فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ»[25] كأنّ فاطمة عليها السلامكوكب دُرّيّ بين نساءِ أهل الأرض[26]...

فضيلة من فضائلها:

قال ابن عبّاس: بينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا ضوءاً كضوء الشمس وقد أشرقت الجنان لها، فيقول أهل الجنّة: يا رضوان، قال ربّنا عزّ و جلّ: «لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَ لاَ زَمْهَرِيرًا»[27] فيقول لهم رضوان: ليست هذه بشمس ولاقمر، ولكن هذه فاطمة وعليّ ضحكا ضحكاً أشرقت الجنان من نور ضحكهما[28].

 

وفــاتها عليها السلام:

توفّيت عليها السلام في الثالث من جُمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقيل: عاشت فاطمة عليها السلام بعد رسول اللّه‏ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله خمسة وسبعين يوماً[29]، لم تُرَ كاشرةً ولا ضاحكة. توفيت عليها السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً[30]، فغسّلها أميرالمؤنين عليه‏ السلام[31] ودفنها ليلاً سرّاً، وعفا موضع قبرها[32].

منزلتها في المحشر:

عن النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله قال: تُحشر ابنتي فاطمة عليها حُلّة الكرامة قد عُجنت بماء الحيوان، تنظر إليها الخلائق فيتعجّبون منها، ثمّ تُكسى حُلّة من حُلل الجنّة، وهي ألف حُلّة، مكتوب على كلّ حُلّة بخطّ أخضر «أدخلوا ابنة محمّد الجنّة على أحسن صورة وأحسن كرامة وأحسن منظر» فَتُزَفّ إلى الجنّة كما تُزَفّ العروس، ويُوكّل بها سبعون ألف جارية[33].

وعنه صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله قال: يُمثَّل لفاطمة عليها السلام رأس الحسين مُتشحِّطاً بدمه، فتصيح: واولداه، واثمرة فؤداه. فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة عليها السلام، ويُنادي أهل
القيامة: قتل اللّه‏ قاتل ولدكِ يا فاطمة[34].

 

 

[1] ـ راجع موسوعة زيارات المعصومين رحمهم‏الله: 1/ 257 و258.

[2] ـ الأمالي للصدوق: 474 م 86 ضمن ح 18.

[3] ـ هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن بن مالك، مولاة النبيّ صلى‏ الله ‏عليه ‏و ‏آله وحاضنته، توفيت في خلافة عثمان. انظر الإصابة: 4/432 رقم1145.

[4] ـ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي: 341 ح393.

[5] ـ الهداية الكبرى: 378.

[6] ـ انظر دلائل الإمامة للطبري: 24.

[7] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 3/355.

[8] ـ الأحزاب:33.

[9] ـ كفاية الأثر: 66. وانظر الخصال: 561 ضمن ح 31.

[10] ـ انظر الغدير للشيخ الأميني قدس‏سره: 2 / 275.

[11]           ـ المصدر السابق: 3 / 20.

[12] ـ انظر من لايحضر الفقيه: 1/320ح 947، وصحيح البخاري: 5/24.

[13] ـ الكافي: 3/343 ح14.

[14] ـ من لا يحضره الفقيه: 1/320 ح946، تهذيب الأحكام: 2/105 ح395.

[15] ـ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: 3/170 رقم 4741/338.

[16] ـ المستدرك على الصحيحين: 3/164 رقم 4721/319.

[17] ـ الأمالي للصدوق: 109 م26 ح7.

[18] ـ بحار الأنوار: 22 / 484 ضمن رقم 31 نقلاً عن الطرف للسيّد ابن طاووس.

[19] ـ دلائل الإمامة: 31. وانظر بلاغات النساء لابن طيفور: 27.

[20] ـ كشف الغمّة: 2 / 105.

[21] ـ أعلام الدين: 247.

[22] ـ دلائل الإمامة: 56.

[23] ـ الشورى: 23.

[24] ـ قرب الإسناد: 128 ح450.

[25] ـ النور: 35.

[26] ـ تفسير القمّي: 2/103.

[27] ـ الإنسان: 13.

[28] ـ تفسير الثعلبي الكشف والبيان: 10/102. وانظر نهج الإيمان لابن جبر: 175.

[29] ـ وقيل غير ذلك، انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏السلام: 1 / 258 ـ 259.

[30] ـ الكافي: 1/458.

[31] ـ راجع المصدر السابق: 1 / 459 ح 4.

[32] ـ راجع المصدر السابق: 1/458ح3.

[33] ـ دلائل الإمامة: 58.

[34] ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 260 ح 10.

الإمام صاحب الزّمان عليه ‏السلام

اسمه عليه ‏السلام ونسبه

هو محمّد بن الحسن بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين.

كنيته: أبوالقاسم.

ألقابه: الحجّة، القائم، المهديّ، المنتظر، الخلف الصالح، و...

اُمّه: نرجس، وقيل: سوسن، وقيل غير ذلك[1].

ولادته عليه ‏السلام

وُلد عليه ‏السلام في النصف من شعبان سنة 255 ه ، كما هو المشهور[2].

مدّة إمامته عليه ‏السلام

لم تزل أعباء الإمامة على عائقه المقدّس من يوم استشهاد أبيه الإمام الحسن عليهما السلام في سنة 260 إلى يومنا هذا.

غَيبته عليه ‏السلام

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين احاديث كثيرة
المعصومين عليهم‏ السلام في النصّ على إمامة صاحب الزمان عليه ‏السلام وغَيبته، منها ما رواه عن الصادق عليه ‏السلام قال: من أقرّ بجميع الأئمّة وجحد المهديّ كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمّداً صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  نبوّته. فقيل له: يا ابن رسول اللّه‏، فمن المهديّ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلّ لكم تسميته[3].

كانت فترة الغَيبة الصغرى على التحديد تسعاً و ستين عاماً و ستة أشهر و نصف، وكانت بدأت من حين وفاة الإمام العسكري عليه ‏السلام، وبدأها الإمام المهديّ عليه ‏السلام بالإيعاز إلى نصب السفراء، فكانت تحمّل إليهم الأموال، وتخرج من عندهم التوقيعات.

سفراؤه عليه ‏السلام

السفير الأوّل: هو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العَمري الأسدي العسكري، كان أوّلاً وكيلاً للإمام الهادي عليه ‏السلام، ثمّ لابنه الإمام الحسن العسكرى عليه ‏السلام، ثمّ للإمام المهدي عليه ‏السلام إلى أن وافاه الأجل. وجاء في كتاب تعزية الإمام المهديّ عليه ‏السلام لابن هذا السفير: إنّاللّه‏ وإنّا إليه راجعون، تسليماً لأمره، ورضاءً بقضائه عاش أبوك سعيداً، ومات حميداً، فرحمه اللّه‏ وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم‏ السلام[4].

السفير الثاني: هو الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العَمري، تولّى السفارة بنصٍّ من أبيه ـ السفير الأوّل ـ بأمرٍ من المهديّ عليه ‏السلام، ووردت عنه وعن أبيه عليهما السلام توقيعات وكلمات في تعظيمه
وإجلاله وإكباره. اضطلع بالسفارة نحواً من خمسين سنة التي انتهت بوفاته سنة 305 ه [5] وعليه كانت سفارته أطول السفارات، وأوصى من بعده إلى أبي القاسم النوبختي.

السفير الثالث: هو الشيخ الجليل أبوالقاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، كان من أخصّاء أبي جعفر العَمري، ونصّ عليه بالسفارة بحضور الوجوه والأكابر، وتلقّى أوّل كتاب من الإمام المهديّ عليه ‏السلام في يوم الأحد لستّ خلونَ من شوّال سنة 305 ه ، وجاء فيه من الثناء ما نصّه: عرّفه اللّه‏ الخير كلَّه ورضوانه، وأسعده بالتوفيق... وإنّه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرّانه، زاد اللّه‏ُ في إحسانه[6].

السفير الرابع: هو الشيخ الجليل أبوالحسن عليّ بن محمّد السَمَري، تولّى السفارة عام 326 ه إلى أن لحق بالرفيق الأعلى في النصف من شعبان سنة 329 ه . وقبل وفاته بأيّامٍ أخرج توقيعاً من الإمام المهدي عليه ‏السلاميُعلن فيه عن انتهاء الغَيبة الصغرى وعهد السفارة، ويمنعه عن الإيصاء إلى أحد ليكون سفيراً بعده.[7]

وبانتهاء عهد السفارة والسفراء وقعت الغَيبة الكبرى للإمام المهديّ المنتظر عليه ‏السلام.

ظهوره عليه ‏السلام وخروجه

 

قال رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : لا تذهب الدنيا حتّى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي[8].

وقال صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : لا تنقضي الأيّام ولا يذهب الدهر حتّى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي، اسمه يواطئ اسمي[9].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوَّل اللّه‏ ذلك اليوم حتّى يلي[10].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث اللّه‏ رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما مُلئت جوراً[11].

 وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : المهديّ مِنّا أهل البيت، يُصْلِحُهُ اللّه‏ في ليلة[12].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : ينزل باُمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشدّ منه، حتّى تضيق عنهم الأرض الرحبة وحتّى يملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأً يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث اللّه‏ عزّ وجلّ رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً[13]...

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : يخرج رجلٌ من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي وخُلقه
خُلقي، فيملأُها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً[14].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : يخرج في آخر الزمان رجلٌ من ولدي، اسمه كاسمي، وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، فذلك هو المهديّ[15].

شمـائله عليه ‏السلام

عن النبيّ صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : المهديّ من ولدي وجهه كالكوكب الدرِّيّ، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي[16]...

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف[17].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : هو رجل من ولدي، كأنّه من رجال بني إسرائيل، عليه عباءتان قطوانيتان، كأنّ وجهه الكوكب الدرِّي في اللون، في خدِّه الأيمن خالٌ أسود، ابن أربعين سنة[18].

وعنه صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : يقوم في آخر الزمان رجلٌ من عترتي شابّ حَسن الوجه، أقنى الأنف[19].

وعن أميرالمؤمنين عليه ‏السلام: هو رجل أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة، أفلج الثنايا[20].

طول عمره عجّل اللّه‏ فرَجه

 

قال الحافظ أبو عبداللّه‏ محمّد الكنجي الشافعي.

لا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى وإلياس والخضر من أولياء اللّه‏ تعالى، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونَين من أعداء اللّه‏ تعالى.

وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة، وقد اتّفقوا عليه ثمّ أنكروا جواز بقاء المهديّ، وها أنا اُبيّن بقاء كلِّ واحدٍ منهم، فلا يسمع بعد هذا العاقل إنكار جواز بقاء المهديّ عليه ‏السلام.

وإنّما أنكروا بقاءه من وجهين:

أحدهما: طول الزمان.

والثاني: أنّه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه وشرابه، وهذا مُمتنع عادةً.

أمّا عيسى عليه ‏السلام فالدليل على بقائه قوله تعالى «وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاّ لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ»[21] ولم يؤمن به أحد مُذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا، ولا بُدّ أن يكون ذلك في آخر الزمان.

وأمّا السنّة فما رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب بإسناده عن النواس  بن سمعان ـ في حديث طويل في قصّة الدجّال ـ قال: فينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين[22]، واضعاً كفّيه على أجنحة ملَكين.

وأيضاً قوله صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

 

وأمّا الخضر وإلياس فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض.

وأيضاً فما رواه مسلم في صحيحه، كما أخبرنا الحافظ محمد بن أبي جعفر القُرطبي، والعدل الحسن بن سالم بن علي، وغيرهما بدمشق، قالوا:

أخبرنا أبو عبداللّه‏ محمّد بن علي بن صدقة، أخبرنا أبو عبداللّه‏ محمّد بن الفضل، أخبرنا أبو الحسين عبدالغافر، أخبرنا أبو أحمد محمّد، أخبرنا إبراهيم بن محمّد، أخبرنا الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجّاج، حدّثني عمرو الناقد، والحسن الحلواني، وعبد بن حُمَيد قالوا: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدّثنا أبو صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عُبيداللّه‏ بن عبداللّه‏ بن عتبة: أنّ أبا سعيد الخدري قال: حدّثنا رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  يوماً حديثاً طويلاً عن الدجّال. فكان فيما حدّثنا قال: يأتي وهو مُحرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير النّاس ـ أو من خير النّاس ـ فيقول له: أشهد أنّك الدجّال الذي حدّثنا رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  حديثه. فيقول الدجّال: أرأيتم إن قتلت هذا ثمَّ أحييته أتشكُون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله ثمّ يُحييه، فيقول حين يُحييه: واللّه‏ ما كنت فيك قطّ أشدّ بصيرة من الآن. قال: فيريد الدجّال أن يقتله ثانياً فلا يُسلَّط عليه.

قال أبو إسحاق ـ وهو إبراهيم بن محمّد بن سعد ـ : يقال إنّ هذا الرجل هو الخضر عليه ‏السلام.

 

قلت: هذا لفظ مسلم في صحيحه كما سقناه سواء.

ثمّ ذكر الكنجي الدليل على بقاء الدجّال ثمّ ذكر بعده الدليل على بقاء إبليس اللعين واستدلّ بقوله تعالى: «قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ»[23]، ثمّ قال:

وأمّا بقاء المهديّ عليه ‏السلام فقد جاء في الكتاب والسنّة:

أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزّ وجلّ: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»[24] قال: هو المهديّ من عترة فاطمة عليهاالسلام.

وأمّا من قال إنّه عيسى عليه ‏السلام فلا تَنافي بين القولين، إذ هو مساعد للإمام على ما تقدّم.

وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسّرين في تفسير قوله عزّ وجلّ «وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّاعَةِ»[25] قال: هو المهديّ عليه ‏السلاميكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها.

وأمّا السنّة فما تقدّم في كتابنا من الأحاديث الصحيحة الصريحة.

وأمّا الجواب عن طول الزمان فمن حيث النصّ والمعنى.

أمّا النصّ فما تقدّم من الأخبار على أنّه لابُدّ من وجود الثلاثة في آخر الزمان [أي عيسى والمهديّ والدجّال] وأنّهم ليس فيهم متبوع غير
المهديّ، بدليل أنّه إمام الاُمّة في آخر الزمان، وأنّ عيسى عليه ‏السلام يُصلّي خلفه ـ كما ورد في الصحاح ـ ويصدّقه في دعواه؛ والثالث هو الدجّال اللعين، وقد ثبت أنّه حيٌّ موجود.

وأمّا المعنى في بقائهم لا يخلو من أحد قسمين، إمّا أن يكون بقاؤهم في مقدور اللّه‏ أو لايكون، ومستحيل أن يخرج عن مقدور اللّه‏، لأنّ مَن بدأ الخلق من غير شيءٍ وأفناه ثمّ يُعيده بعد الفناء لا بُدّ أن يكون البقاء في مقدوره.

وإذا ثبت أنّ البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو أيضاً من قسمين: إمّا أن يكون راجعاً إلى اختيار اللّه‏ تعالى، أو إلى اختيار الاُمّة. ولا يجوز أن يكون إلى اختيار الاُمّة، لأنّه لو صحَّ ذلك منهم لصحّ من أحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده، وذلك غير حاصل لنا، غير داخل تحت مقدورنا، فلا بُدّ من أن يكون راجعاً إلى اختيار اللّه‏ سبحانه.

ثمّ لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضاً، إمّا أن يكون لسبب، أو لايكون لسبب، فإن كان لغير سبب كان خارجاً عن وجه الحكمة، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال اللّه‏ تعالى، فلا بُدّ أن يكون لسبب تقتضيه حكمة اللّه‏ تعالى[26]...

 

[1] و 2 ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 229 ـ 231.

[2]

[3] ـ كمال الدين: 333 ح1.

[4] ـ الغيبة للطوسي: 219.

[5] ـ الغيبة للطوسي: 223.

[6] ـ الغيبة للطوسي: 226 ـ 227.

[7] ـ نفس المصدر: 242.

[8] ـ سنن الترمذي: 4/505 ح 2230.

[9] ـ مسند أحمد: 1/376 ـ 377.

[10] ـ منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد: 6/30.

[11] ـ سنن أبي داود: 4/107 رقم 4283.

[12] ـ سنن ابن ماجة: 2/1367 رقم 4085.

[13] ـ المستدرك على الصحيحين: 4/512 رقم 8438 .

[14] ـ منتخب كنز العمّال: 6/32.

[15] ـ تذكرة الخواصّ: 325.

[16] ـ الصواعق المحرقة لابن حجر: 164.

[17] ـ الجامع الصغير: 552 ح 9244.

[18] ـ عقد الدرر: 29.

[19] ـ نفس المصدر: 39.

[20] ـ الغيبة للنعماني: 215 ح2.

[21] ـ النساء: 159.

[22] ـ المهرودتان: ثوبان مصبوغان بالورس والزعفران.

[23] ـ الأعراف: 14 و 15.

[24] ـ التوبة: 33.

[25] ـ الزخرف: 61.

[26] ـ انظر البيان في أخبار صاحب الزمان: 148 ـ 157.

الإمام العسكري عليه ‏السلام

اسمه عليه ‏السلام ونسبه

هو الإمام الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر  بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب عليهم‏ السلام.

كنيته: أبو محمّد.

ألقابه: الزكيّ، العسكريّ، الهادي، المهتدي، النقيّ، و...

اُمّه عليه ‏السلام: اُمّ ولد يقال لها: حُديث، وقيل غير ذلك[1].

ولادته عليه ‏السلام

ولد يوم الجمعة لثمان خلونَ من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بالمدينة المنوّرة[2].

صفته عليه ‏السلام

كان رجلاً أسمرَ أعينَ، حَسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، له جلالة وهيبة[3].

شخصيته

  1. عن أبي بكر الفهفكي قال: كتب إليّ أبوالحسن [الهادي] عليه ‏السلام:
    أبو محمّد ابني أنصح آل محمّد غريزةً، وأوثقهم حُجَّةً، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه ينتهي عُرى الإمامة وأحكامها، فما كنتَ سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه[4].

ـ روي أنّ جعفر بن عليّ الهادي طلب من المعتمد أن يُعطيه مقام أخيه الإمام الحسن عليه ‏السلام بعده، ويجعل له مرتبته فقال له المعتمد: اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا، وإنّما كانت باللّه‏ عزّ وجلّ، ونحن كنّا نجتهد في حطِّ منزلته والوضع منه، وكان اللّه‏ عزّ وجلّ يأبى إلاّ أن يزيده كلّ يومٍ رفعة لما كان فيه من الصيانة وحُسن السمت والعلم والعبادة. فإن كنتَ عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نُغنِ عنك في ذلك شيئاً[5].

ـ كان بختيشوع النصراني من ألمع أطبّاء ذلك العصر، فأراد أن يُرسل أحد تلامذته لفصد الإمام عليه ‏السلام فأوصاه قائلاً: طلب منّي ابن الرضا من يفصده، فَصِرْ إليه، وهو أعلم في يومنا هذا بمن (ممّن ـ خ ل) تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به[6].

ـ قال عُبيداللّه‏ بن خاقان وزير المعتمد لابنه أحمد حول شخصية الإمام: يا بُني، ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرضا... يا بُني، لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحدٌ من بني هاشم غير هذا، فإنّ هذا يستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده
وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيّراً فاضلاً[7].

ـ قال ابن الصبّاغ المالكي: مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن العسكري دالّة على أنّه السري ابن السري، فلا يشكّ في إمامته أحد ولا يمتري... وسيّد أهل عصره وإمام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة، وإن انتظموا عِقداً كان مكان الواسطة الفريدة، فارس العلوم الّذي لا يُجارى ومُبيِّن غوامضها، فلا يُحاول ولا يُمارى، كاشف الحقائق بنظره الصائب، مُظهر الدقائق بفكره الثاقب، المحدِّث في سرِّه بالاُمور الخفيات، الكريم الأصل والنفس والذات[8]...

ـ قال العلاّمة الشبراوي الشافعي: الحادي عشر من الأئمّة الحسن الخالص، ويُلقّب أيضاً بالعسكري... ويكفيه شرفاً أنّ الإمام المهديّ المُنتظر من أولاده،فللّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضمّ المُنيف، وناهيك به من فخار، وحسبك فيه من علوّ مقدار... فيا له من بيتٍ عالي الرتبة، سامي المحلّة، فلقد طاول السماك عُلاً ونُبلاً، وسما على الفرقدين منزلةً ومحلاًّ، واستغرق صفات الكمال فلا يستثنى فيه بغير ولا بإلاّ انتظم في المجد هؤلاء الأئمّة انتظام اللآلي، وتناسقوا في الشرف فاستوى الأول والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم واللّه‏ يرفعه[9].

 

سجاياه الكريمة

  1. الكرم

عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: ضاق بنا الأمر فقال لي أبي: امضِ بنا حتّى نصير إلى هذا الرجل ـ يعني أبا محمّد ـ فإنّه قد وصف عنه سماحة.

فقلت: تعرفه؟ قال: ما أعرفه ولا رأيته قطّ.

قال: فقصدناه. فقال لي أبي ـ وهو في طريقه ـ : ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم، مائتي درهم للكسوة، ومائتي درهم للدقيق، ومائة درهم للنفقة.

وقلت في نفسي: ليته أمرَ لي بثلاثمائة درهم، مائة أشتري بها حماراً، ومائة للنفقة، ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل.

قال: فلمّا وافينا الباب خرج إلينا غلامه فقال: يدخل عليّ بن إبراهيم ومحمّد ابنه.

فلمّا دخلنا عليه وسلّمنا قال لأبي: يا عليّ، ما خلّفك عنّا إلى هذا الوقت؟

قال: يا سيّدي، استحييت أن ألقاك على هذه الحال.

فلمّا خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صُرّة وقال: هذه خمسمائة درهم، مائتان للكسوة، ومائتان للدقيق، ومائة للنفقة.

وأعطاني صرّة وقال: هذه ثلاثمائة درهم، اجعل مائة في
ثمن حمار، ومائة للكسوة، ومائة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سُوراء[10].

  1. العلم

عن أبي حمزة نصير الخادم قال: سمعت أبا محمّد عليه ‏السلام غير مرّة يُكلِّم غلمانه بلغاتهم: ترك وروم وصقالبة، فتعجّبت من ذلك وقلت: هذا ولد بالمدينة، ولم يظهر لأحدٍ حتّى مضى أبو الحسن عليه ‏السلام ولا رآه أحد، فكيف هذا؟ ُاحدِّث نفسي بذلك.

فأقبل عليَّ فقال: إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى بيَّن حجّته من سائر خلقه بكلِّ شيء، ويُعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث، ولولا ذلك لم يكن بين الحجّة والمحجوج فرق[11].

  1. الزهد والعبادة

عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف ودخل صالح  بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد عليه ‏السلام.

فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ مَن قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمرٍ عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟

 

فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلَّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل، وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا، ويُداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا. فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين[12] .

معاصروه عليه ‏السلام من الخلفاء

عاصر الإمام عليه ‏السلام مدّة إمامته القصيرة جدّاً كلاًّ من المعتزّ والمهتدي والمعتمد العباسيّين، ولاقى منهم أشدَّ العنت والتضييق والمُلاحقة والإرهاب، كما تعرّض منهم للاعتقال عدّة مرّات[13].

شهادته عليه ‏السلام

استشهد سلام اللّه‏ عليه يوم الجمعة لثمان ليالٍ من شهر ربيع الأوّل سنة 260 ه ، وقيل في شهر ربيع الثاني سنة 260 ه [14].

 

 

[1] و 2 ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 187 ـ 188.

[2]

[3] ـ راجع الكافي: 1 / 503 ضمن ح 1، وكمال الدين: 40 ضمن مقدّمة المصنّف.

[4] ـ الكافي: 1 / 327 ح 11.

[5] ـ كمال الدين: 479 ضمن ح 26.

[6] ـ الخرائج والجرائح: 1 / 422 ح 3.

[7] ـ كمال الدين: 41.

[8] ـ الفصول المهمّة: 290.

[9] ـ الإتحاف بحبّ الأشراف: 178 ـ 179.

[10] ـ الإرشاد للمفيد: 2 / 326. وسُوراء: موضع قريب من الحلّة في العراق.

[11] ـ الكافي: 1 / 509 ح 11.

[12] ـ الكافي: 1 / 512 ح 23.

[13] ـ راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي: 422 ـ 425.

[14] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 189.

الإمام الهادي عليه ‏السلام

اسمه عليه ‏السلام و نسبه

هو الإمام عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين.

كنيته: أبوالحسن.

ألقابه: الهادي، العسكري، المرتضى، العالم، الرشيد، المتوكّل، القانع، و...

اُمّه: سمانة[1].

ولادته عليه ‏السلام

وُلد عليه ‏السلام في النصف من ذي الحجّة سنة 212 ه ، وقيل يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب سنة 214 ه ، وقيل غير ذلك[2].

شخصيته عليه ‏السلام

ـ قال ابن شهرآشوب: هو النقيّ ابن التقيّ ابن الصابر ابن الوفيّ ابن الصادق ابن السيّد ابن السجّاد ابن الشهيد ابن حيدر ابن عبدمناف...

وكان أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب،
وأكملهم من بعيد، إذا صمت عَلته هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء، وهو من بيت الرسالة والإمامة، ومقرّ الوصية والخلافة، شعبة من دوحة النبوّة منتضاة مرتضاة، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة[3].

ـ قال ابن خلّكان حول شخصيته عليه ‏السلام: أبوالحسن عليّ الهادي ابن محمّد الجواد ابن عليّ الرّضا... ويُعرف بالعسكري، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة، وكان قد سُعي به إلى المتوكّل وقيل: إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه، فوجَّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً، فهجموا عليه في منزله على غفلةٍ، فوجدوه وحده في بيت مُغلق وعليه مِدرعة من شَعر، وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مُستقبل القبلة يترنّم بآياتٍ من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى، فاُخذ على الصورة التي وُجد عليها وحُمل إلى المتوكّل في جوف الليل... فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه[4].

ـ قال ابن حجر الهيتمي: عليّ العسكري، سُمّي بذلك لأنّه لمّا وجّه لإشخاصه من المدينة النبويّة إلى سرَّ من رأى وأسكنه بها وكانت تُسمّى العسكر فعُرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علماً وسخاءً[5].

ـ قال الشبلنجي: ومناقبه رضى ‏الله‏ عنهكثيرة[6].

 

ـ قال الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي: أمّا مناقبه فمنها ما حلّ في الأذان محلّ حلاها بأشنافها، واكتنفته شغفاً به اكتناف اللآلي الثمينة بأصدافها، وشهد لأبي الحسن أنّ نفسه موصوفة بنفائس أوصافها، وأنها نازلة من الدرجة النبويّة في ذرى أشرافها وشرفات أعرافها[7].

جملة من خصائصه عليه ‏السلام

  1. الكرم

وفد جماعة من أعلام الشيعة على الإمام الهادي عليه ‏السلام... فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيناً عليه. فقال: يا أبا عمرو ـ وكان وكيله ـ  : ادفع إليه ثلاثين ألف دينار، وإلى عليّ بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار[8].

  1. الزهد

لمّا فتّشت الشرطة داره في سامراء وجدوا الإمام في بيت مُغلق وعليه مِدرعة من شَعر إلاّ الرمل والحصى وهو جالس على الرمل والحصى، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى[9].

 

  1. احترامه للعلماء

روي عن الإمام الحسن العسكري عليه ‏السلام أنّه اتّصل بأبي الحسن عليّ ابن محمّد العسكري عليه ‏السلام أنّ رجلاً من فقهاء شيعته كلّم بعض النصّاب فأفحمه بحجّته حتّى أبان عن فضيحته، فدخل إلى عليّ بن محمّد عليه ‏السلاموفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدست وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم.

فما زال يرفعه حتّى أجلسه في ذلك الدست وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على اُولئك الأشراف، فأمّا العلوية فأجلُّوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا ابن رسول اللّه‏، هكذا تُؤثر عامّياً على سادات بني هاشم من الطالبيّين والعبّاسيّين؟!

فقال عليه ‏السلام: إيّاكم وأن تكونوا من الذين قال اللّه‏ تعالى فيهم: «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ»[10]، أترضون بكتاب اللّه‏ حكماً؟ قالوا: بلى.

قال: أليس اللّه‏ يقول: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الَْمجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ ـ إلى قوله:  ـ  يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ»[11] فلم يرضَ للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع
على المؤمن غير العالم، كما لم يرضَ للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن.

أخبروني عنه قال «يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ» أو قال: يرفع الذين أُوتوا شرف النسب درجات! أوَليس قال اللّه‏: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»[12] فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه‏؟! إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللّه‏ الّتي علّمه إيّاها لأفضل له من كلّ شرفٍ في النسب[13].

  1. من دلائله عليه ‏السلام

عن عليّ بن مهزيار قال: وردتُ العسكر وأنا شاكّ في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يومٍ من الربيع إلاّ أنّه صائف والناس عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن لباد وعلى فرسه تِجفاف[14] لبود، وقد عقد ذنب الفرس، والناس يتعجّبون منه ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني وما قد فعل بنفسه. فقلت في نفسي: لو كان هذا إماماً ما فعل هذا.

فلمّا خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت، فلم يبق أحد إلاّ ابتلّ حتّى غرق بالمطر، وعاد عليه ‏السلام وهو سالم من
جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام. ثمّ قلت: اُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب. فقلت في نفسي: إن كشف وجهه فهو الإمام. فلمّا قرب منّي كشف وجهه ثمّ قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام، لا يجوز الصلاة فيه، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة[15].

من تراثه العلمي

تُعتبر الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة من أهم ما اُثر عن الإمام الهادي عليه ‏السلام، فهي ثروة فكرية مهمّة، ووثيقة علميّة خالدة، مفعمة بمعارف أصيلة، وحقائق أساسية خالصة، وعقائد سامية، واُسس حكمية، ومضامين عالية، أثرى بها الإمام الهادي عليه ‏السلامالمدرسة الإسلامية الوضّاءة، وأتحفها بعقائد إلهية توحيدية صادقة، فهي جوهرة لامعة مشحونة بسموّ المعنى وشموخ المضمون، ولهذا وذاك فإنّ هذه الزيارة تعدّ من أجلّ الزيارات قدراً، وأرفعها شأناً.

وقد عكف جملةٌ من نخبةِ فضلاءِ وعلماءِ الحوزات وأساتذتها على شرح تلك الزيارة الجامعة، والتعليق عليها وتبيين مطالبها الغامضة ومضامينها العالية، فللّه تعالى درّهم، وعليه أجرهم.

استشهاده عليه ‏السلام

قال المسعودي: واعتلّ أبوالحسن علّته التي مضى فيها في سنة أربع
وخمسين ومائتين فأحضر أبا محمّد ابنه فسلَّم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء والسلاح وأوصى إليه ومضى[16]. وقد سمّه الخليفة العبّاسي المعتمد[17] أو المعتز[18].

وروى الشيخ الطوسي عن إبراهيم بن هاشم القمي قال: توفي عليّ بن محمّد أبوالحسن صاحب العسكر عليه ‏السلام في يوم الأثنين لثلاث خلون من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين[19].

 

 

[1] و 2 ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 161 ـ 162.

[2]

[3] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/400 ـ 401.

[4] ـ وفيات الأعيان: 3/272 رقم 424.

[5] ـ الصواعق المحرقة: 206 ـ 207.

[6] ـ نور الأبصار: 334.

[7] ـ مطالب السؤول: 2/145.                                                 

[8] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/409.                                                           

[9] ـ راجع وفيات الأعيان: 3/272 رقم 424. وقد تقدّم النصّ كاملاً في الصفحة السابقة.

[10] ـ آل عمران: 23.

[11] ـ المجادلة: 11.

[12] ـ الزمر: 9.

[13] ـ الاحتجاج: 454 ـ 455.

[14] ـ التِجفاف: شيء تلبسه الفرس عند الحرب كأنّه درع؛ والجمع تجافيف، قيل سُمّي بذلك لما فيه من الصلابة واليبوسة. المصباح المنير: 1/142.

[15] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/413.

[16] ـ إثبات الوصية: 234.

[17] ـ راجع المناقب لابن شهر آشوب: 4 / 401.

[18] ـ راجع إعلام الورى: 339.

[19] ـ مصباح المتهجّد: 819.

الإمام الجواد عليه ‏السلام

اسمه عليه ‏السلام ونسبه

هو الإمام محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه‏ عليهم.

كنيته عليه ‏السلام: أبو جعفر.

ألقابه: التقيّ، الزكيّ، الرضيّ، المرضيّ، الجواد، و...

اُمّه عليه ‏السلام: سبيكة. وقيل: خيزران. وقيل غير ذلك[1].

ولادته عليه ‏السلام

وُلد سلام اللّه‏ عليه في شهر رمضان سنة 195 ه ، واختُلف في يومها، فقيل: ليلة الجمعة التاسع عشر منه، وقيل: ليلة الجمعة النصف من شهر رمضان، وقيل غير ذلك[2].

شخصيّته عليه ‏السلام

ـ عن الإمام الرضا عليه ‏السلام قال: واللّه‏ لا تمضي الأيّام والليالي حتّى يرزقني اللّه‏ ولداً ذكراً يفرّق به بين الحقّ والباطل[3].

 

ـ وفي رواية اُخرى أنّه قال:... حتّى يُولد لي ذكر من صُلبي يقوم بمثل مقامي، يُحيي الحقّ ويمحق الباطل[4].

ـ وعنه عليه ‏السلام: هذا المولود الّذي لم يُولد مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه[5].

ـ دخل أبوجعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه ‏السلام المسجد ـ مسجد الرسول صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  ـ فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولارداء فقبَّل يده وعظَّمه.

فقال له أبوجعفر عليه ‏السلام: يا عمّ اجلس رحمك اللّه‏.

فقال: يا سيّدي، كيف أجلس وأنت قائم!

فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه وأنت تفعل به هذا الفعل!

فقال: اسكتوا، إذا كان اللّه‏ عزّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يُؤهِّل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه اُنكر فضله؟! نعوذ باللّه‏ ممّا تقولون، بل أنا له  عبد[6].

ـ كان المأمون قد شُعِف بأبي جعفر عليه ‏السلام لمّا رأى من فضله مع صغر سنِّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يُساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان، فزوَّجه ابنته اُمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفِّراً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره[7].

 

ـ قال المأمون في الإمام عليه ‏السلام لمّا أراد تزويجه:...أمّا أبوجعفر محمّد بن عليّ فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهلِ الفضل في العلم والفضل مع صغر سنِّه، والاُعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهَر للنّاس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنَّ الرأي ما رأيت فيه...

وَيْحَكُم! إنّني أعرَف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيتٍ عِلمُهم من اللّه‏ وموادّه وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدِّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أباجعفر بما يتبيّنُ لكم به ما وصفتُ من حاله[8].

ـ قال عنه الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي: وهو وإن كان صغير السنّ فهو كبير القدر، رفيع الذِكر[9].

ـ قال أيضا: أمّا مناقبه فما اتّسعت حلبات مجالها، ولا امتدّت أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وأنجالها... غير أنّ اللّه‏ عزّ وعلا خصّه بمنقبة متألقة في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفضيل، قيّمة أقدارها، بادية لعقول أهل المعرفة آية آثارها، وهي وإن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، وصيغتها وإن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة[10]...

 

ـ أورد ذكره سبط ابن الجوزي فقال: وكان على منهاج أبيه في العلم والتُقى والزهد والجود[11]...

ـ قال الشيخ عليّ بن عيسى الإربلي: الجواد عليه ‏السلام في كلّ أحواله جواد، وفيه يصدق قول اللغوي: جواد من الجودة من أجواد، فاق الناس بطهارة العنصر وزكاء الميلاد، وافترع قلّة العلاء، فما قاربه أحد ولا كاد.

مجده عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب، ومنصبه يشرف على المناصب، إذا آنس الوفد ناراً قالوا ليتها نارُه لا نار غالب.

له إلى المعالي سموّ، وإلى الشرف رواح وغدوّ، وفي السيادة إغراق وعلوّ، وعلى هام السماك ارتفاع وعلوّ، وعن كلّ رذيلة بُعد، وإلى كلّ فضيلة دنوّ.

تتأرّج المكارم من أعطافه، ويقطر المجد من أطرافه، وتروى أخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه، والويل لمن رغب في خلافه.

إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها، وإذا امتطيت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها، يباري الغيث جوداً وعطية، ويجاري الليث نجدةً وحمية، ويبذّ السير سيرةً رضيّةً مرضيّةً سرية، إذا عدّد آباءه الكرام وأبناءه عليهم‏ السلامنظم اللآلي الأفراد في عدّه، وجاء
بجماع المكارم في رسمه وحدِّه، وجمع أشتات المعالي فيه وفي آبائه من قبله، وفي أبنائه من بعده؛ فمن له أبٌ كأبيه أو جدٌّ كجدِّه؟! فهو شريكهم في مجدهم، وهم شركاؤه في مجده، وكما ملأوا أيدي العفاة برفدهم ملأ أيديهم برفده.

 

بدورٌ طوالع جبال فوارعُ

 غيوثٌ هوامعٌ سيولٌ دوافعُ

 

بهاليلُ لو عاينت فيض أكفّهم

 تيقّنت أنّ الرزق فيالأرض واسعُ

 

إذا خففت بالبذل أرواح جودهم

 حداها الندى واسستنشقتها المطامعُ


بهم اتّضحت سُبل الهدى، وبهم سلم من الردى، وبحبّهم تُرجى النجاة والفوز غداً، وهم أهل المعروف واُولو الندى.

كلّ المدائح دون استحقاقهم، وكلّ مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم، وكلّ صفات الخير مخلوقة في عنصرهم الشريف وأعراقهم، فالجنّة في وصالهم، والنّار في فراقهم.

وهذه الصفات تصدُق على الجمع والواحد، وتثبت للغائب منهم والشاهد، وتتنزّل على الولد منهم والوالد.

حبّهم فريضة لازمة، ودولتهم باقية دائمة، وأسواق سؤددهم قائمة، وثغور محبّيهم باسمة، وكفاهم شرفاً أنّ جدّهم محمّد، وأباهم عليّ، واُمّهم فاطمة؛ فمن يُجاريهم في الفخر!! أو مَن يُسابقهم في علوّ القدر!! وما تركوا غاية عزٍّ إلاّ انتهوا إليها سابقين، ولا  مرتبة سؤدد إلاّ ارتقوها آمنين من اللاحقين، وهذا حقّ اليقين، بل عين اليقين.

الناس كلُّهم عيالٌ عليهم، ومنتسبون انتساب العبودية إليهم، عنهم
اُخذت المآثر، ومنهم تُعلِّمت المفاخر، وبشرفهم شُرّف الأوّل والآخر.

ولو أطلتُ في صفاتهم لم آتِ بطائل، ولو حاولت حصرها نادتني «أين الثُريّا من يد المتناول» وكيف تُطيق حصر ما عجز عنه الأواخر والأوائل؟!

وهذا مقامٌ يلبس فيه سَحبان وائل فهاهة باقل، فكففت عنان القلم، وكفكفت من انثيال الكلم[12].

ـ وقال صلاح الدين خليل الصفدي: كان يُلقّب بالجواد وبالقانع وبالمرتضى، وكان من سروات[13] آل بيت النبوّة، زوّجه المأمون بابنته، وكان يبعث إلى المدينة في كلّ عام بأكثر من ألف ألف درهم[14].

وفاته عليه ‏السلام

قُبض عليه ‏السلام عن خمسٍ وعشرين سنة ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين[15].

 

 

[1] و 2 ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 51 ـ 52 .

[2]

[3] ـ الكافي: 1/320 ح 4.

[4] ـ رجال الكشّي: 2 / 828 ح 1044.

[5] ـ الكافي: 1 / 321 ح 9.

[6] ـ الكافي: 1/322 ح 12.

[7] ـ الإرشاد للمفيد: 2/281.

[8] ـ الإرشاد للمفيد: 2/282.

[9] ـ مطالب السؤول: 2/140.

[10] ـ نفس المصدر: 2/141.

[11] ـ تذكرة الخواصّ: 321.

[12] ـ كشف الغمّة: 3/160 ـ 162.

[13] ـ أي من أشراف.

[14] ـ الوافي بالوفيات: 4/79 رقم 1589.

[15] ـ راجع موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4/53 .

الإمام الرضا عليه ‏السلام

اسمه ونسبه عليه ‏السلام

هو الإمام عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه‏ عليهم.

وكنيته: أبوالحسن.

وألقابه: الرضا، الصابر، الرضيّ، الزكيّ، و...

واُمّه: اُمّ ولد يقال لها: اُمّ البنين؛ وذكر لها أسماء منها: نجمة، تكتم، سمانة، سكن.

روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام بإسناده عن البزنطي قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن موسى عليهم ‏السلام: إنّ قوماً من مُخالفيكم يزعمون أنّ أباك إنّما سمّـاه المأمون «الرضا» لما رضيه لولاية عهده! فقال: كذبوا واللّه‏ و فجروا، بل اللّه‏ تبارك و تعالى سمّـاه الرضا لأنّه كان رضا للّه‏ عزّ وجلّ في سمائه، و رضا لرسوله و الأئمّة من بعده صلوات اللّه‏ عليهم في أرضه. قال: فقلت له: ألم يكن كلُّ واحدٍ من آبائك الماضين عليهم ‏السلام رضا للّه‏ تعالى و لرسوله و الأئمّة عليهم ‏السلام؟ فقال: بلى. فقلت: فلم سُمّي أبوك عليه ‏السلام من بينهم الرضا؟

قال: لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، و لم  يكن ذلك لأحدٍ من آبائه عليهم ‏السلام، فلذلك سُمّي من بينهم الرضا عليه ‏السلام[1].

 

وروى أيضاً بإسناده عن أبي الحسن عليّ بن ميثم قال: اشترت حميدة المصفاة وهي اُمّ أبي الحسن موسى بن جعفر، وكانت من أشراف العجم جارية مولّدة واسمها «تكتم» وكانت من أفضل النساء في عقلها و دينها و إعظامها لمولاتها حميدة المصفاة [زوجة الإمام الصادق عليه ‏السلام] حتّى أنّها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها... فلمّا ولدت له الرضا عليه ‏السلامسمّـاها «الطاهرة»[2].

ولادته عليه ‏السلام

كان مولده عليه ‏السلام بالمدينة يوم الجمعة - أو يوم الخميس - لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة ثمان و أربعين و مائة من الهجرة[3].

مكانته ومنزلته عليه ‏السلام

روى الكليني في الكافي عن عليّ بن يقطين، عن أبي الحسن عليه ‏السلامقال: كتب إليَّ من الحبس: إنّ فُلاناً ابني سيّد ولدي، وقد نحلته كنيتي[4].

وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام بإسناده عن عليّ بن يقطين قال: قال لي موسى بن جعفر ابتداءً منه: هذا أفقه ولدي ـ وأشار بيده إلى الرضا عليه ‏السلام  ـ  [5].

 

وروى أيضاً بإسناده عن المفضّل بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام وعليّ عليه ‏السلام ابنه في حجره وهو يقبّله ويمصّ لسانه ويضعه على عاتقه ويضمّه إليه ويقول: بأبي أنت واُمّي ما أطيب ريحك وأطهر خلقك وأبين فضلك! قلت: جعلت فداك، لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودّة ما لم يقع لأحدٍ إلاّ لك! فقال لي: يا مُفضّل هو منّي بمنزلتي من أبي عليه ‏السلام[6]...

وذكر الشيخ المفيد في الإرشاد أنّ المأمون قال للحسن بن سهل بصدد التعريف بالإمام عليه ‏السلام: ما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض[7].

وأورد الطبري في تاريخه من كتابٍ للحسن بن سهل إلى عيسى بن محمّد بن أبي خالد يعلمه فيه أنّ المأمون قد جعل عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد وليَّ عهده من بعده، و ذلك أنّه نظر في بني العبّاس وبني عليّ فلم يجد أحداً هو أفضل و لا أورع و لا أعلم منه[8].

وأورد الذهبي في سير أعلام النبلاء ترجمة الإمام الرضا عليه ‏السلام وقال: الإمام السيّد أبوالحسن عليّ الرضا ابن موسى الكاظم... وقد كان عليّ الرضا كبير الشأن، أهلاً للخلافة[9].

 

وقال أيضاً في تاريخ الإسلام: هو الإمام أبوالحسن ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي العلوي الحسيني... وكان سيّد بني هاشم في زمانه و أجلّهم وأنبلهم، و كان المأمون يُعظّمه ويخضع له[10]...

وقال اليافعي في مرآة الجنان: الإمام الجليل المُعظَّم، سُلالة السادة الأكارم، عليّ بن موسى الكاظم، أحد الأئمّة الاثني عشر، اُولي المناقب الذين انتسبت الإماميّة إليهم و قصروا بناء مذهبهم عليهم[11].

وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة و هو بصدد ذكر الأئمّة الطاهرين عليهم ‏السلام: عليّ الرضا، و هو أنبههم ذكراً و أجلّهم قدراً، و من ثمَّ أحلّه المأمون محل مُهجته و أنكحه ابنته، و أشركه في مملكته، و فوَّض إليه أمر خلافته[12].

وقال الشيخ كمال الدين بن محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول عند ذكره عليه ‏السلام : قد تقدّم القول في أمير المؤنين عليّ، و في زين العابدين عليّ، و جاء هذا عليّ الرضا ثالثهما، و من أمعن النظر و الفكرة وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم كونه ثالث العليّين و كانت مناقبه عليّة، و صفاته سنيّة، و مكارمه حاتمية، و شنشنته أخزمية، و أخلاقه عربية، و نفسه الشريفة هاشمية، و اُرومته الكريمة نبويّة، فمهما عُدّ من مزاياه كان عليه ‏السلام أعظم منه، و مهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبةً منه[13].

 

وقال الشبراوي في الإتحاف: كان رضى‏الله‏عنهكريماً جليلاً، مهاباً موقّراً، وكان أبوه موسى الكاظم يحبّه حبّاً شديداً[14].

من مظاهر شخصيته عليه ‏السلام

علمـه عليه ‏السلام

روى الشيخ الكليني في الكافي بإسناده عن الصادق عليه ‏السلام قال: يُخرج اللّه‏ عزّ وجلّ منه [الكاظم عليه ‏السلام] غوث هذه الاُمّة وغياثها وعلمها ونورها و فضلها وحكمتها...[15].

وروى أمين الإسلام الطبرسي في إعلام الورى عن الحاكم أبي عبداللّه‏ الحافظ بإسناده عن أبي الصلت الهروي قال: ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرضا عليهماالسلام، ولا  رآه عالم إلاّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان و فقهاء الشريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم حتّى ما بقي منهم أحد إلاّ أقرّ له بالفضل، وأقرّ له على نفسه بالقصور.

ولقد سمعت عليّ بن موسى يقول: كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم و بعثوا إليَ ـ بالمسائل فأجبت عنها.

قال أبوالصلت: لقد حدّثني محمّد بن إسحاق بن موسى بن جعفر
عن أبيه أنّ موسى بن جعفر عليهماالسلام كان يقول لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى الرضا عالم آل محمّد، فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم؛ فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمّد غير مرّة يقول لي: إنّ عالم آل محمّد لفي صلبك[16]...

عبـادته عليه ‏السلام

روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام بإسناده عن إبراهيم ابن العبّاس قال: ... كان عليه ‏السلام قليل النوم بالليل، كثير السهر، يُحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، و كان كثير الصيام، فلايفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر[17]...

ويقول الشبراوي في الإتحاف عن عبادته عليه ‏السلام: وكان صاحب وضوء وصلاة ليله كلّه، يتوضّأ و يُصلّي و يرقد، ثمّ يقوم فيتوضّأ ويصلّي ويرقد، وهكذا إلى الصباح[18].

مكارم أخلاقه عليه ‏السلام وتواضعه

روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام بإسناده عن ابراهيم ابن العبّاس قال: ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه ‏السلام جفا أحداً بكلمة قطّ، ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه قطّ حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مدّ رجله بين يدي جليس له قطّ، ولا اتّكى بين يدي جليس له قطّ، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قطّ،
ولا رأيته تفل، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم، وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتّى البوّاب والسائسُ... وكان عليه ‏السلام كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة؛ فمن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّق[19].

وذكر ابن شهرآشوب في المناقب أنّه دخل عليه ‏السلام الحمّام، فقال له بعض الناس: دلّكني يا رجل. فجعل يُدلّكه، فعرّفوه فجعل الرجل يستعذر منه و هو يطيّب قلبه و  يدلّكه[20].

روى الكليني في الكافي بإسناده عن عبداللّه‏ بن الصلت، عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الإمام الرضا عليه ‏السلام في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم، فقلت: جُعلت فداك لو عزلت لهؤاء مائدة.

فقال: مه إنّ الربّ تبارك و تعالى واحد، و الاُمّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال[21].

زهـده عليه ‏السلام

ذكر ابن شهرآشوب في مناقبه عن محمّد بن عبّاد قال: كان جلوس الرضا عليه ‏السلامعلى حصير في الصيف، و على مسح[22] في الشتاء، و لبسه
الغليظ من الثياب، حتى إذا برز للناس تزيّأ[23].

سخـاؤه عليه ‏السلام

ذكر ابن شهرآشوب في المناقب أنه عليه ‏السلام فرّق بخراسان ماله كلَّه في يوم عرفة، فقال له الفضل بن سهل: إنّ هذا لمغرم. فقال: بل هو المغنم، لاتعدّنّ مغرماً ما ابتغيت به أجراً و كرماً[24].

تكريمه عليه ‏السلام للضيوف

روى الشيخ الكليني في الكافي أنّه نزل بأبي الحسن الرضا عليه ‏السلام ضيف وكان جالساً عنده يحدّثه في بعض الليل فتغيّر السراج، فمدّ الرجل يده ليصلحه، فزبره أبو الحسن عليه ‏السلام ثمّ بادره بنفسه فأصلحه ثمّ قال له: إنّا قوم لانستخدم أضيافنا[25].

حول ولاية العهد

روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع بإسناده عن أبي الصلت الهروي قال: إنّ المأمون قال للرضا عليّ بن موسى عليهماالسلام: يا ابن رسول اللّه‏ قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و ورعك و عبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.

فقال الرضا عليه ‏السلام: بالعبوديّة للّه‏ عزّ وجلّ أفتخر، و بالزهد في الدنيا
أرجو النجاة من شرّ الدنيا، و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند اللّه‏ تعالى.

فقال له المأمون: إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، و أجعلها لك و اُبايعك.

فقال له الرضا: إن كانت هذه الخلافة لك و جعلها اللّه‏ لك فلايجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه اللّه‏ و تجعله لغيرك. و إن كانت الخلافة ليست لك فلايجوزلك أن تجعل لي ما ليس لك.

فقال له المأمون: يا ابن رسول اللّه‏، لابدّ لك من قبول هذا الأمر.

فقال: لست أفعل ذلك طائعاً أبداً.

فما زال يجهد به أيّاماً حتى يئس من قبوله. فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تُحبّ مبايعتي لك فكن وليَّ عهدي لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال الرضا عليه ‏السلام: و اللّه‏ لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤنين عن رسول  اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنّي أخرج من الدُنيا قبلك مقتولاً بالسمّ مظلوماً، تبكي عليَّ ملائكة السماء و ملائكة الأرض، و اُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد.

فبكى المأمون ثمّ قال له: يا ابن رسول اللّه‏، و مَن الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك و أنا حيّ؟!

قال الرضا عليه ‏السلام: أما إنّي لو أشاء أن أقول مَن الذي يقتلني لقلت. فقال المأمون: يا ابن رسول اللّه‏، إنّما تُريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك
ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس إنّك زاهد في الدنيا.

فقال الرضا عليه ‏السلام: و اللّه‏ ما كذبت منذ خلقني ربّي تعالى، و ما زهدت في الدنيا للدنيا، و إنّي لأعلم ما تُريد.

قال المأمون: وما اُريد؟ قال: الأمان على الصدق. قال: لك الأمان.

قال: تريد بذلك أن يقول الناس إنّ عليّ بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبِل ولاية العهد طمعاً في الخلافة.

فغضب المأمون ثمّ قال: إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه و قد أمنت سطوتي، فباللّه‏ اُقسم لئن قبِلت ولاية العهد و إلاّ أجبرتك على ذلك، فإن فعلت و إلاّ ضربت عُنقك.

فقال الرضا عليه ‏السلام: قد نهاني اللّه‏ عزّ وجلّ أن اُلقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، و أنا أقبل ذلك على أن لا اُولّي أحداً، ولا أعزل أحداً و لا أنقض رسماً و لاسنّة،و أكون في الأمر بعيداً مُشيراً.

فرضي منه بذلك، و جعله وليّ عهده على كراهةٍ منه عليه ‏السلام لذلك[26].

وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن محمّد بن عرفة قال: قلت للرضا عليه ‏السلام: يا ابن رسول اللّه‏، ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟

فقال: ما حمل جدّي أمير المؤنين على الدخول في الشورى.[27]

 

شهـادته عليه ‏السلام

عنه عليه ‏السلام قال: إنّي أخرج من الدنيا مقتولاً بالسمّ مظلوماً، تبكي عليَّ ملائكة السماء و ملائكة الأرض، و اُدفن في أرض غُربة[28].

استشهد عليه ‏السلام في آخر صفر سنة 203، و قيل يوم الثلاثاء في 17 من صفر من السنة المذكورة، و قيل غير ذلك[29].

 

[1] ـ عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 1/11 ح1.

[2] ـ عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 1/12 ح 2.

[3] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم ‏السلام: 4/88.

[4] ـ الكافي: 1 / 313 ح 10.

[5] ـ نفس المصدر: 1/18 ح4.

[6] ـ عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 1 / 26 ح 28.

[7] ـ الإرشاد للمفيد: 2/261.

[8] ـ تاريخ الطبري: 7/139.

[9] ـ سير أعلام ا لنبلاء: 9/387 و 392.

[10] ـ تاريخ الإسلام للذهبي: 14 / 269.

[11] ـ مرآة الجنان: 2/11.

[12] ـ الصواعق المُحرقة لابن حجر: 204.

[13] ـ مطالب السؤل: 2/128.

[14] ـ الإتحاف بحبّ الأشراف: 155.

[15] ـ الكافي: 1 / 314 ضمن ح 14.

[16] ـ إعلام الورى: 315.

[17] ـ عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 2 / 183 ضمن ح 7.

[18] ـ الإتحاف بحبّ الأشراف: 155 ـ 156.

[19] ـ عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 2 / 182 ح 7.

[20] ـ الكافي: 4 / 362.

[21] ـ الكافي: 8 / 230 ح 296.

[22] ـ المسح: بالكسر ما يُلبس من نسيج الشعر.

[23] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 360.

[24] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 361.

[25] ـ الكافي: 6 / 283 ح 2.

[26] ـ علل الشرائع: 1/237 ح 1 باب 173. ورواه أيضاً في عيون أخبار الرضا عليه‏السلام: 2/138 ح3.

[27] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 364.

[28] ـ تقدّم ذكره آنفا ضمن حديثٍ عن علل الشرائع.

[29] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم ‏السلام: 4/89.

الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السَّلام)

اسمه و نسبه عليه ‏السلام

هو الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبى طالب عليهم صلوات اللّه‏.

كنيته: أبوالحسن، أبو إبراهيم.

ألقابه: العبد الصالح، الصابر، الكاظم، النفس الزكيّة، باب الحوائج إلى اللّه‏، و...

اُمّه عليه ‏السلام: حميدة البربريّة[1].

ولادته عليه ‏السلام

وُلد سلام اللّه‏ عليه بالأبواء يوم الأحد لسبع خلون من صفر سنة 128 ه ، وقيل سنة 129 ه ، وقيل غير ذلك[2].

شخصيّته عليه ‏السلام

في حديث النبيّ الأعظم صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  في وصف الأئمّة الاثني عشر عليهم‏ السلام قال في وصف الإمام الصادق عليه ‏السلام: إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى ركَّب على هذه النطفة نطفة زكيّة مُباركة طيِّبة، أنزل عليها الرحمة وسمّاها عنده موسى[3].

 

وقال الإمام الصادق في ولده موسى الكاظم عليهما السلام: هؤلاء وُلدي وهذا سيِّدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه ‏السلام ـ وقد علم الحكم والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حُسن الخلق، وحُسن الجوار، وهو باب من أبواب اللّه‏ عزّ وجلّ. وفيه خصلة اُخرى هي خير من هذا كلِّه... يُخرج اللّه‏ عزّ وجلّ منه غوث هذه الاُمّة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها[4].

وقال الشيخ مؤمن الشبلنجي: وألقابه كثيرة أشهرها الكاظم ثمَّ الصابر والصالح والأمين... قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد الحجّة الحبر، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المُسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى اللّه‏، وذلك لنجح قضاء حوائج المتوسّلين به، ومناقبه رضى ‏الله‏ عنه كثيرة شهيرة[5].

وقال أبو عبداللّه‏ الحسين الخصيبي: ولقبه الكاظم، والصابر، والمصلح، والمبرهن، والبيان، وذوالمعجزات[6].

وقال الشيخ عليّ بن محمّد المالكي المكّي الشهير بابن الصبّاغ: أمّا مناقبه وكراماته الظاهرة وفضائله وصفاته الباهرة تشهد له بأنّه اقترع قبّة
الشرف وعلاها، وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها، وذُلِّلت له كواهل السيادة وامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها[7].

وقال الشيخ كمال‏الدين محمّد بن طلحة الشافعي: هو الإمام الكبير القدر، العظيم الشأن الكبير، المجتهد الجادّ في الاجتهاد، المشهور بالعبادة، المواظب على الطاعات، المشهود له بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار مُتصدِّقاً وصائماً، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظماً. كان يُجازي المسيء بإحسانه إليه، ويُقابل الجاني بعفوه عنه، ولكثرة عبادته كان يُسمّى بالعبد الصالح، ويُعرف بالعراق بباب الحوائج إلى اللّه‏ لنجح مطالب المتوسّلين إلى اللّه‏ تعالى به، كرامته تحار منها العقول، وتقضي بأنّ له عند اللّه‏ تعالى قدم صدق لا تزلّ ولا تزول[8].

وقال سبط ابن الجوزي: يُلقّب بالكاظم والمأمون والطيّب والسيّد، وكنيته أبوالحسن، ويُدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل... وكان موسى جوادًا حليماً، وإنّما سُمّي الكاظم لأنّه كان إذا بلغه عن أحدٍ شيءٌ بعث إليه بمال[9].

وأورد الخطيب البغدادي ترجمته عليه ‏السلام فقال: كان موسى بن جعفر يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده. روى أصحابنا أنّه دخل مسجد
رسول اللّه‏ صلى ‏الله ‏عليه‏ و ‏آله  فسجد سجدة في أوّل الليل، وسُمع وهو يقول في سجوده: عظيم [عظم] الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. فجعل يردّدها حتّى أصبح. وكان سخيّاً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنّه يُؤذيه فيبعث إليه بصُرّةٍ فيها ألف دينار، وكان يصرّ الصُرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثمّ يقسمها بالمدينة، وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرّة فقد استغنى[10].

وقال ابن شهرآشوب: كان أجلّ الناس شأناً، وأعلاهم في الدين مكاناً، وأسخاهم بناناً، وأفصحهم لساناً، وأشجعهم جناناً، قد خُصّ بشرف الولاية، وحاز إرث النبوّة، وبوّأ محلّ الخلافة، سليل النبوّة، وعقيد الخلافة[11].

علمه عليه ‏السلام

عن أبيه الإمام الصادق عليهما السلام مخاطباً أحد أصحابه قال: إنّ ابني هذا الذي رأيت لو  سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم[12].

عبادته عليه ‏السلام

كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بضع عشرة سنة كلّ يوم
سجدة بعد انقضاض الشمس إلى وقت الزوال؛ فكان هارون ربّما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الّذي حُبس فيه أبوالحسن عليه ‏السلام فكان يرى أباالحسن عليه ‏السلام ساجداً، فقال للربيع: يا ربيع ما ذاك الثوب الّذي أراه كلّ يومٍ في ذلك الموضع؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر، له كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.

قال الربيع: فقال لي هارون: أما إنّ هذا من رُهبان بني هاشم[13].

وعن المأمون بن هارون الرشيد قال: دخل الفضل بن الربيع [على هارون] فقال: يا أميرالمؤمنين على الباب رجل يزعم أنّه موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبيطالب؛ فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه والأمين والمؤتمن وسائر القوّاد فقال: احفظوا على أنفسكم، ثمّ قال لآذنه: إئذن له، ولا ينزل إلاّ على بساطي. فبينا نحن كذلك إذ دخل شيخٌ مسجّد قد أنهكته العبادة، كأنّه شنّ بال قد كلم من السجود وجهه وأنفه[14].

وعن عبداللّه‏ القروي قال: دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي: ادنُ؛ فدنوت حتّى حاذيته، ثمّ قال لي: أشرف إلى بيتٍ في الدار، فأشرفت، فقال: ما ترى في البيت؟ قلت: ثوباً مطروحاً. فقال: انظر حسناً، فتأمّلت ونظرت فتيقّنت فقلت: رجل ساجد.

 

فقال لي: تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا مولاك. قلت: ومَن مولاي؟ فقال: تتجاهل عليَّ! فقلت: ما أتجاهل، ولكنّي لا أعرف لي مولى. فقال: هذا أبوالحسن موسى بن جعفر، إنّي أتفقّده الليل والنهار فلا أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحالة الّتي اُخبرك بها. إنّه يُصلّي الفجر فيعقِّب ساعة في دبر الصلاة إلى أن تطلع الشمس، ثمّ يسجد سجدة فلا  يزال ساجداً حتّى تزول الشمس، وقد وكّل مَن يترصّد له الزوال، فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس إذ يثب فيبتدئ الصلاة من غير أن يُحدث حدثاً، فأعلم أنّه لم  ينم في سجوده ولا أغفى، ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر، فإذا صلّى سجد سجدة فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس وثب عن سجدته فصلّى المغرب من غير أن يُحدث حدثاً، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يُصلي العتمة، فإذا صلّى العتمة أفطر على شويّ يُؤتى به. ثمَّ يجدّد الوضوء ثمّ يسجد ثمّ يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثمّ يقوم فيجدّد الوضوء ثمّ يقوم، فلا يزال يُصلّي في جوف الليل حتّى يطلع الفجر، فلست أدري متى يقول الغلام إنّ الفجر قد طلع، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر، فهذا دأبه مُنذ حُوِّلَ إليَّ[15].

جوده وتفقّده للناس

كان يتفقّد فقراء أهل المدينة، فيحمل إليهم في الليل العين والورق
وغير ذلك فيوصله إليهم وهم لا يعلمون من أيّ جهةٍ هو، وكان عليه ‏السلام يصل بالمائة دينار إلى الثلاثمائة دينار، وكانت صرار موسى مثلاً[16].

حلمه عليه ‏السلام

قيل: إنّ رجلاً كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليّاً، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا نقتله. فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي، وزجرهم أشدّ الزجر. وسأل عن الرجل فذُكر له أنّه يزدرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به الرجل لا تطأ زرعنا. فوطئه بالحمار حتّى وصل إليه، فنزل فجلس عنده وضاحكه، وقال له: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال له: مائة دينار. قال: فكم ترجو أن يصيب؟ قال: أنا لا أعلم الغيب. قال: إنّما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قال: أرجو أن يجيئني مائتا دينار. فأعطاه ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله. فقام الرجل فقبَّل رأسه وانصرف. فراح عليه ‏السلام إلى المسجد فوجد الرجل جالساً، فلمّا نظر إليه قال: «اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ». فوثب أصحابه فقالوا له: ما قصّتك، قد كنت تقول خلاف هذا؟! فخاصمهم وشاتمهم، وجعل يدعو لأبي الحسن موسى كلّما دخل وخرج. فقال أبوالحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل الرجل: أيّما كان خيراً، ما أردتم أو ما أردت أن اُصلح أمره بهذا المقدار[17]؟

 

صلابته مع السلطة الحاكمة

عن محمّد بن سابق بن طلحة الأنصاري قال: كان ممّا قال هارون لأبي الحسن عليه ‏السلام حين اُدخل عليه: ما هذه الدار؟

فقال: هذه دار الفاسقين. قال: «سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً»[18].

فقال له هارون: فدار مَنْ هي؟

قال: هي لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة.

قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟

فقال: اُخذت منه عامرة ولا يأخذها إلاّ معمورة[19].

قال: فأين شيعتك؟

فقرأ أبو الحسن عليه ‏السلام: «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ»[20].

قال: فقال له: فنحن كفّار؟!

قال: لا، ولكن كما قال اللّه‏ «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ
دارَ الْبَوارِ»[21].

فغضب عند ذلك وغلظ عليه[22].

من كراماته عليه ‏السلام

عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي الخلاّل يقول: ما همّني أمرٌ فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلْتُ به إلاّ سهّل اللّه‏ تعالى لي ما اُحبّ[23].

وذكر ابن الصبّاغ المالكي في فصوله أنّه عليه ‏السلام هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى اللّه‏، وذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين[24].

وتقدّم آنفاً عن ابن طلحة الشافعي مثل ذلك، وأنّ كرامته عليه ‏السلامتحار منها العقول و تقضي بأنّ له عند اللّه‏ تعالى قدم صدق لا تزلّ ولا تزول[25].

وقال ابن شهرآشوب: رؤي في بغداد امرأة تهرول فقيل: إلى أين؟ قالت: إلى موسى بن جعفر فإنّه حُبس ابني. فقال لها رجل: إنّه قد مات في الحبس. فقالت: بحقِّ المقتول في الحبس أن تريني القُدرة. فإذا بابنها قد اُطلق، واُخذ ابن المستهزئ بجنايته[26].

شهادته عليه ‏السلام

 

استشهد سلام اللّه‏ عليه مسموماً في الحبس يوم الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 183 ه ، وقيل لستّ بقين منه، وقيل غير ذلك[27].

 

 

[1] و 2 ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 5 ـ 6.

[2]

[3] ـ عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام: 1/50 باب 6 ضمن ح 29.

[4] ـ عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام: 1/20 باب 4 ضمن ح 9.

[5] ـ نور الأبصار: 301.

[6] ـ الهداية الكبرى: 263.

[7] ـ الفصول المهمّة: 232.

[8] ـ مطالب السؤول: 2/120.

[9] ـ تذكرة الخواصّ: 312.

[10] ـ تاريخ بغداد: 13/29 رقم 6987.

[11] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/323.

[12] ـ قرب الإسناد: 335 ذيل ح 1237.

[13] ـ عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام: 1/77 ـ 78 باب 7 ح 14.

[14] ـ نفس المصدر: 1 / 72 ـ 73 باب 7 ضمن ح 11.

[15] ـ عيون أخبار الرضا عليه ‏السلام: 1/87 باب 8 ضمن ح 10.

[16] ـ المناقب لابن شهرآشوب: 4/318.

[17] ـ انظر تاريخ بغداد: 13/30 رقم 6987، تهذيب الكمال: 18/453 رقم 6841.

[18] ـ الأعراف: 146.

[19] ـ قال المجلسي قدس‏سره: لعلّ المعنى أ نّه لا يأخذها إلاّ في وقتٍ يُمكنه عمارتها. البحار: 48/138.

[20] ـ البيّنة: 2.

[21] ـ إبراهيم: 28.

[22] ـ الاختصاص: 262.

[23] ـ تاريخ بغداد: 1/133.

[24] ـ الفصول المهمّة: 231.

[25] ـ انظر ص 289.

[26] ـ المناقب لابن شهر آشوب: 4/305.

[27] ـ انظر موسوعة زيارات المعصومين عليهم‏ السلام: 4 / 7.